الجمع بين قوله تعالى وإن تبدوا ما أنفسكم أو تخفوه وبين معنى الحديث إن تجاوز عن أمة محمد ما حدثت بها نفسها

فتاوى نور على الدرب ( العثيمين ) ، الجزء : 5 ، الصفحة : 2 عدد الزيارات: 19523 طباعة المقال أرسل لصديق

يقول السائل كيف نجمع بين قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) وبين معنى الحديث الشريف الذي هو (إن الله تجاوز عن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به)؟
 
فأجاب رحمه الله تعالى: الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الذي أشرت إليه هو في قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) فما كان بوسع الإنسان فإنه مؤاخذٌ به وما كان ليس بوسعه فهو غير مؤاخذ به فقوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) جاءت الآية بعده (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) فالخواطر التي ترد على المرء ولا يركن إليها ولا يطمئن لها وإنما هو حديث نفسٍ عابر لا يركن إليه ولا يأخذ به هذا لا يؤاخذ به لأنه فوق طاقة المرء أما إذا كانت الهواجس التي ترد على القلب يطمئن إليها الإنسان ويأخذ بها فإنه عمل يؤاخذ به العبد ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) وأخبر عليه الصلاة والسلام عن الرجل يقاتل أخاه المسلم فقال عليه الصلاة والسلام (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) فالمهم أن ما يرد على القلب إذا اطمأن إليه الإنسان وأخذ به واعتبره فإنه يؤاخذ عليه أما الهواجس التي تطرأ ويحدِّث الإنسان نفسه فيها ولكنه لا يركن إليها فلا يؤاخذ بها مثل لو كان يحدث الإنسان نفسه هل يطلق زوجته أو لا نقول إن الزوجة لا تطلق حتى لو نوى أن يطلقها فإنها لا تطلق لأن الطلاق لا يكون إلا بالقول أو بما يدل عليه من الفعل كالكتابة ولا يؤاخذ بهذا وكذلك لو نوى أن يتصدق بهذه الدراهم وعزم ولكنه ما دفعها إلى الآن فإنه لا يلزمه التصدق بها سواءٌ نواها لشخصٍ معين أو نواها صدقةً ولم يعين من يتصدق بها عليه فإنه لا تلزمه الصدقة.