القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة

مرقاة المفاتيح ، الجزء : 1 ، الصفحة : 314 عدد الزيارات: 24275 طباعة المقال أرسل لصديق

238 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنزل القرآن على سبعة أحرف ، لكل آية منها ظهر وبطن ، ولكل حد مطلع " .
رواه في شرح السنة .
238 - ( وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنزل القرآن ) أي : حال كونه مشتملا ( على سبعة أحرف ) أي : قراءات أو لغات أو أنواع من الأحكام .
قال الشراح : الحرف الطرف ، وحروف التهجي سميت بذلك لأنها أطراف الكلمة ، فقيل : المراد أطراف اللغة العربية ، فكأنه قال : على سبع لغات العرب ، وهم المشهود لهم بالفصاحة : كقريش ، وثقيف ، وطيئ ، وهوازن ، وهذيل ، واليمن ، وبني تميم ، وقيل : عليه أئمة اللغويين .
وصححه البيهقي وابن عطية بمجيء التصريح به عن ابن عباس ، ورد بأن لغاته أكثر من سبع .
وأجيب : بأن المراد أفصحها ، ويمكن أن يقال : المراد بها الكثرة ، وقيل : الكل في بطون قريش لقوله تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه وقيل : في بطون مضر .
وردت هذه الأقوال كلها بأن عمر أنكر على هشام قراءته حتى جره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحال أن ينكر عليه لغته وهما من قبيلة ولغة واحدة ، فدل على أن المراد بالأحرف السبعة غير اللغات ، كذا ذكره ابن حجر ، وفيه بحث إذ يحتمل أن يكون إنكار عمر قبل العلم بالجواز ، فلا دلالة حينئذ على نفي إرادة اللغات مع أن مجرد ورود اللغة لا يجوز قراءته بدون الرواية ، وقيل : أراد بها القراءات السبع التي اختارها الأئمة السبعة ، وقيل : أجناس الاختلافات التي يئول إليها اختلاف القراءات فإن اختلافها إما أن يكون في المفردات أو المركبات ، والثاني كالتقديم والتأخير ، مثل : وجاءت سكرة الموت بالحق ، و " جاءت سكرة الحق بالموت " .
والأول إما أن يكون بوجود الكلمة وعدمها نحو : فإن الله هو الغني الحميد قرئ بالضمير وعدمه ، أو تبديل الكلمة بغيرها مع اتفاق المعنى : كالعهن المنفوش والصوف المنقوش أو مع اختلافه مثل : وطلح منضود وطلع منضود أو بتغييرها أما بتغيير هيئة كإعراب ، مثل " هن أطهر لكم " بالرفع والنصب في الراء ، أو صورة ، مثل : وانظر إلى العظام كيف ننشزها ننشرها ، أو حرف ، مثل : " باعد " و " بعد بين أسفارنا " ، وقيل : أراد في القرآن ما هو مقروء على سبعة أوجه كقوله تعالى : فلا تقل لهما أف فإنه قرئ بالضم والفتح والكسر منونا وغير منون وبالسكون ، وقيل : معناه أنه أنزل مشتملا على سبعة معان : الأمر والنهي والقصص والأمثال والوعد والوعيد والموعظة ، وقيل : المعاني السبعة هي العقائد والأحكام والأخلاق والقصص والأمثال والوعد والوعيد ، وقيل : أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ، لخبر الحاكم والبيهقي : " كان الكتاب الأول ينزل على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال الحديث " .
وأجيب : بأن قوله زاجر استئناف لا تفسير ؛ لأنه في رواية " زاجرا " بالنصب ، أي : نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة ، وبتسليم أنه تفسير - هو تفسير للإنزال لا للأحرف ، أي : هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه ، أي : أنزله الله على هذه الأصناف ولم يقتصر على صنف واحد كغيره من الكتب ، أي : غير التوراة والإنجيل ، ومن ثم قال : جمع هذا القول فاسد لأن إجماع المسلمين على أن التوسعة التي هي السبب في نزول القرآن على سبعة أحرف لم يقع في تحريم ولا تحليل ولا في تغيير شيء من تلك المعاني المذكورة ، وقيل : المراد بالأحرف السبعة الأقاليم السبعة يعني حكم القرآن عام في جميع العالم ، وقيل : المراد الكثرة توسعة لا الحصر في هذا العدد ، وقيل غير ذلك .
وقال التوربشتي : لما شق على كل العرب القراءة بلغة قريش رخص في ذلك ، ومن الدليل على ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال : إن الله تعالى يأمرك أن تقرأ أنت وأمتك على حرف واحد ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " اسأل الله عز وجل معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك " .
ثم رجع إليه الثانية .
وساق الحديث إلى قوله : أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف ، قيل : فعلى هذا ينبغي أن ينزل قوله : ( لكل آية منها ) أي : من تلك السبعة الأحرف ، والجملة الاسمية صفة لسبعة والضمير رابطة ، فلا وجه لقول ابن حجر ، والوجه عندي عوده على القرآن باعتبار جملته ، ثم أغرب في تعليله بقوله : لأن الآية ليست من تلك الأحرف على أي قول من الأقوال ( ظهر وبطن ولكل حد مطلع ) : بتشديد الطاء وفتح اللام على الاختلاف في القراءات كما فعل المظهر حيث قال : حد كل حرف معلوم في التلاوة ، لا يجوز مخالفته مثل عدم جواز إبدال الضاد بحرف آخر ، وكذا سائر الحروف لا يجوز إبدالها بآخر إلا ما جاء في القراءة ، ويلزم من هذا التأويل أن يكون لكل حال من أحوال الكلمة كالإمالة وإبدال الحروف والإدغام ظهر وبطن وحد ومطلع ، وقيل : المقصود وصف القرآن بكثرة ما فيه من العلوم ، فالمراد بالسبعة الكثرة كقوله تعالى : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله والأحرف هاهنا بمنزلة الكلمات في الآية ، فوجب أن يحمل الأحرف على أجناس الاختلافات التي لا تدخل تحت الحصر ، ثم قسم عليه الصلاة والسلام كل حرف تارة بالظهر والبطن ، والأخرى بالحد والمطلع ، فالظهر ما يبينه النقل ، والبطن ما يستكشفه التأويل ، والحد هو المقام الذي يقتضي اعتبار كل من الظهر والبطن فيه فلا محيد عنه ، والمطلع المكان الذي يشرف منه على توفية خواص كل مقام حده ، وليس للحد والمطلع انتهاء لأن غايتهما طريق العارفين بالله ، وما يكون سرا بين الله وبين أنبيائه وأوليائه .
كذا حققه الطيبي .
وقيل : الظهر ما ظهر تأويله وعرف معناه ، والبطن ما خفي تفسيره وأشكل فحواه ، وقيل : الظهر اللفظ والبطن المعنى .
قال بعض العلماء : لكل آية ستون ألف فهم ، وعن علي : لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من تفسير القرآن لفعلت ، ولهذا قال التفتازاني : وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها ومع ذلك فيها إشارات إلى دقائق تنكشف لأرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة ، فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان ا هـ .
ونقل ابن الصلاح أن الواحدي قال : صنف أبو عبد الرحمن السلمي حقائق التفسير ، فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر ، ثم قال ابن الصلاح : الظن بما يوثق به من أهل التصوف كالسلمي ، فإنه من أكابرهم علما ومعرفة أنه لم يذكر ذلك تفسيرا ولا ذهب به مذهب الشرح التصوف للكلمة ، فإن ذلك مذهب الباطنية ، وإنما ذلك منهم تنظير ما ورد به في القرآن والله أعلم .
وقال محيي السنة في معالم التنزيل ، قيل : الظهر لفظ القرآن ، والبطن تأويله ، والمطلع الفهم ، وقد يفتح الله على المتدبر والمتفكر من التأويل والمعاني ما لا يفتحه على غيره وفوق كل ذي علم عليم ، والتفهم يكون بصدق النية وتعظيم الحرمة وطيب الطعمة ، وقال زين العرب : الظهر ما ظهر معناه من غير روية والبطن بخلافه ا هـ .
وهو قريب من قول الطيبي : الظهر ما يبينه النقل ، والبطن ما يستكشفه التأويل .
قال : أو الظهر الإيمان به والعمل بمقتضاه ، والبطن التفاوت في فهمه على حسب مراتبهم في الفضيلة ، أو الظهر المعنى الجلي والبطن الخفي وهو سر بين الله وبين عباده المصطفين .
عن أبي الدرداء : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يجعل للقرآن وجوها .
وعن ابن مسعود : من أراد علم الأولين والآخرين فليؤثر القرآن ، وقوله : ولكل حد مطلع .
الحد : المنع وسميت حدود الله بها لمنع مرتكبيها من العود ، والمطلع مكان الاطلاع عن موضع عال يقال : مطلع هذا الجبل من مكان كذا أي : مأتاه ومصعده منه ، والمعنى أن لكل حد من حدود الله تعالى وهي أحكام الدين التي شرع للعباد موضع اطلاع من القرآن ، فمن وفق أن يرتقي ذلك المرتقى اطلع منه على ذلك الحد المتعلق بذلك المطلع كذا نقله السيد ، وقيل : أي لكل حد وطرف من الظهر والبطن مطلع ، أي : مصعد أي موضع يطلع عليه بالترقي إليه ، فمطلع الظاهر تعلم العربية وتتبع ما يتوقف عليه معرفة الظاهر من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك ، ومطلع الباطن تصفية النفس والرياضة بآداب الجوارح وإتعابها في اتباع مقتضى الظاهر والعمل بمقتضاه .
وقال ابن مسعود : ما من آية إلا عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها ، وقيل : إن ما قصه عمن سبق ظاهرها الإخبار بإهلاكهم ، وباطنها وعظ السامعين .
وقيل : ظاهرها معناه الظاهر لعلماء الظاهر وباطنها من الأسرار لعلماء الباطن ، وقيل : ظاهرها التلاوة ومعناها الفهم .
( رواه ) أي : مصنف المصابيح ( في شرح السنة ) .
أي : بإسناده فيه ، وأخرج الفريابي عن الحسن مرفوعا : " لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع " .
وأخرج الديلمي خبرا : " القرآن تحت العرش له ظهر وبطن يحاج العباد " ، وأخرج الطبراني وأبو يعلى والبزار وغيرهم ، عن ابن مسعود موقوفا : إن هذا القرآن ليس له حرف إلا له حد ولكل حد مطلع .
وقال ابن حجر : الجملة الأولى جاءت من رواية أحد وعشرين صحابيا ، ومن ثم نص أبو عبيد على أنها متواترة ، أي معنى ، واختلفوا في معناه على أربعين قولا ، منها : أنه من المشكل الذي لا يدرى معناه ، ومنها : أنه على سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة ، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ، ويؤيده خبر أحمد بسند جيد : إن جبريل قال : يا محمد اقرأ القرآن على حرف ، قال ميكائيل : استزده حتى يبلغ سبعة أحرف .
قال : كل شاف كاف ، ما لم يختم آية رحمة بعذاب أو عذاب برحمة ، نحو قولك : تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل ، هذا لفظ الحديث .
وفي رواية له : أنزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما ، وفي أخرى له : القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة ، وسندهما جيد ، قال كثيرون من الأئمة : إنما كان ذلك أي جواز تغيير اللفظ بمرادفه رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ، فالقرشي يشق عليه تخفيف الهمزة ، واليمني تركه ، فلذلك سهل على قبيلة أن تقرأ بلغتها ، ثم نسخ بزوال العذر وتيسير الكتابة والحفظ .
قلت : وفيه إيماء إلى المعتمد من مذهبنا أن المصلي إذا قرأ ما لم يغير المعنى لم تفسد صلاته ، واعلم أنهم اختلفوا على قولين في المصاحف العثمانية ، أحدهما : وعليه جماعات من الفقهاء والقراء والمتكلمين أنها مشتملة على جميع الأحرف السبعة ، فلا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء منها .
وقد أجمع الصحابة على نقلها من الصحف التي كتبها أبو بكر ، وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك .
وثانيهما : وإليه ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف ، أنها مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها عليه الصلاة والسلام على جبريل متضمنة لها لم يترك حرف منها .
وأجيب عن الأول بما ذكره ابن جرير أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة ، وإنما كان جائزا لهم ومرخصا لهم فيه ، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف إذا لم يجتمعوا على حرف واحد اجتمعوا على ذلك إجماعا شائعا وهم معصومون من الضلالة ، ولم يكن في ذلك ترك واجب ، ولا فعل حرام ، ولا شك أن القرآن نسخ منه في العرضة الأخيرة وغير منه ، فاتفق الصحابة على أن كتبوا ما تحققوا أنه قرآن مستقر ، وقال ابن التين وغيره : جمع أبو بكر القرآن في صحف ، وجمعه عثمان في مصحف واحد ، والفرق بين الجمعين أن الأول كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حامليه لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وجمع عثمان لما كان كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات ، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض ، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره ، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم دفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر ، فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة ا هـ .
والحاصل أن القرآن جمع ثلاث مرات .
الأولى : بحضرته عليه الصلاة والسلام ، فقد صح عن زيد بن ثابت قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نؤلف القرآن في الرقاع ، أي : يؤلفون ما ينزل من الآيات المفرقة ويجمعونها في سورها بإشارته عليه الصلاة والسلام ، قاله البيهقي ، ومن ثم قال الخطابي : كتب القرآن كله في عهده - صلى الله عليه وسلم - لكنه كان غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور ، والثانية بحضرة أبي بكر لما رأى عمر ذلك ، ومن ثم ورد أنه أول من جمعه أي أشار بجمعه ، ووافقه أبو بكر فأمر زيدا بجمعه فجمعه في صحف كانت عند أبي بكر فعمر فبنته حفصة ، ومن ثم صح عن علي : أول من جمع كتاب الله أبو بكر ، وما روي عنه أنه جمعه منقطعا ، وعلى فرض صحته محمول على أنه حفظه صدره ، والثالثة : بحضرة عثمان مرتبا له على السور .