القراءة الشاذة

البحر المحيط ، الجزء : 2 ، الصفحة : 220 عدد الزيارات: 29937 طباعة المقال أرسل لصديق

مسألة [ في القراءة الشاذة ] حقيقة الشاذ لغة : المنفرد .
وفي الاصطلاح عكس المتواتر ، وقد سبق أن المتواتر قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب .
قال الشيخ أبو شامة : فمتى اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة .
قال : وقد أشار إلى ذلك جماعة من الأئمة المتقدمين ونص عليه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني .
ذكره شيخنا أبو الحسن السخاوي في كتاب جمال القراء " .
ثم الكلام في مواضع : أحدها : بالنسبة إلى المراد بها والمعروف أنها ما وراء السبع ، والصواب : ما وراء العشر ، وهي ثلاثة أخر : يعقوب وخلف وأبو جعفر يزيد بن القعقاع ، فالقول بأن هذه الثلاثة غير متواترة ضعيف جدا ، وقد ذكر البغوي في تفسيره " الإجماع على جواز القراءة بها .
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العواصم : ضبط الأمر على سبع قراءات ليس له أصل في الشرع ، وقد جمع قوم ثماني قراءات ، وقوم عشرا ، أصل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ، قال : { أنزل القرآن على سبع أحرف } فظن قوم أنها سبع قراءات وهذا باطل ، وتيمن آخرون بهذا اللفظ فجمعوا سبع قراءات .
وبعد أن ضبط الله الحروف والسور ، فلا مبالاة بهذه التكليفات .
وسبق عنه أن قراءة أبي جعفر ثابتة لا كلام فيها .
ا هـ .
الثاني : بالنسبة إلى القراءة بها .
قال الشيخ أبو الحسن السخاوي : ولا تجوز القراءة بشيء من الشواذ لخروجها عن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن ، وهو المتواتر وإن كان موافقا للعربية وخط المصحف ، لأنه جاء من طريق الآحاد ، إن كانت نقلته ثقات .
قال أبو شامة : والشأن في الضبط ما تواتر من ذلك وما اجتمع عليه ، ونقل الشاشي في المستظهري " عن القاضي الحسين أن الصلاة بالقراءة الشاذة لا تصح ، وقال النووي في فتاويه " : تحرم .
الثالث : في الاحتجاج بها في الأحكام وتنزيلها منزلة الخبر .
اعلم أن الآمدي نسب القول بأنها ليست بحجة إلى الشافعي .
وكذا ادعى الإبياري في شرح البرهان " أنه المشهور من مذهب مالك والشافعي وتبعه ابن الحاجب وكذلك النووي ، فقال في شرح مسلم " مذهبنا : أن القراءة الشاذة لا يحتج بها ، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن ، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت خبرا ، والموقع لهم في ذلك دعوى إمام الحرمين في البرهان " : أن ذلك ظاهر مذهب الشافعي ، وتبعه أبو نصر بن القشيري والغزالي في المنخول " وإلكيا الطبري في التلويح " ، وابن السمعاني في القواطع " وغيرهم ، فقال إلكيا : القراءة الشاذة مردودة لا يجوز إثباتها في المصحف ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء .
قال : وأما إيجاب أبي حنيفة التتابع في صوم كفارة اليمين لأجل قراءة ابن مسعود ، فليس على تقدير أنه أثبت نظمه من القرآن ، ولكن أمكن أنه كان من القرآن في قديم الزمان ، ثم نسخت تلاوته ، فاندرس مشهور رسمه فنقل آحادا ، والحكم باق ، وهذا لا يستنكر في العرف .
قال : والشافعي لا يرد على أبي حنيفة اشتراط التتابع على أحد القولين من هذه الجهة ، ولكنه يقول : لعل ما زاده ابن مسعود تفسيرا منه ، ومذهبا رآه ، فلا بعد في تقديره ، ولم يصرح بإسناده إلى القرآن .
فإن قالوا : لا يجوز ضم القرآن إلى غيره ، فكذلك لا يجوز ضم ما نسخت تلاوته إلى القرآن تلاوة .
وهذا قد يدل من وجهة على بطلان نقل هذه القراءة عن ابن مسعود ، فإنا على أحد الوجهين نبعد قراءة ما ليس من القرآن مع القرآن .
وقال : والدليل القاطع على إبطال نسبة القراءات الشاذة إلى القرآن أن الاهتمام بالقرآن من الصحابة الذين بذلوا أرواحهم في إحياء معالم الدين يمنع تقدير دروسه وارتباط نقله بالآحاد .
قلت : وذكر أبو بكر الرازي في كتابه أنهم إنما عملوا بقراءة ابن مسعود لاستفاضتها وشهرتها عندهم في ذلك العصر ، وإن كان ، إنما نقلت إلينا الآن بطريق الآحاد ، لأن الناس تركوا القراءة بها ، واقتصروا على غيرها ، وكلامنا إنما هو في أصول القوم .
ا هـ .
وذكر أبو زيد في الأسرار " وصاحب المبسوط " من الحنفية اشتراط الشهرة في القراءة عند السلف ، ولهذا لم يعملوا بقراءة أبي بن كعب ، " فعدة من أيام أخر متتابعة " لأنها قراءة شاذة غير مشهورة ، وبمثلها لا يثبت الزيادة على النص ، فأما قراءة ابن مسعود فقد كانت مشهورة في زمن أبي حنيفة حتى كان الأعمش يقرأ ختما على حرف ابن مسعود ، وختما من مصحف عثمان ، والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور .
ا هـ .