القراءات في قوله تعالى ما لكم من ولايتهم من شئ

التفسير الكبير ، الصفحة : 168 عدد الزيارات: 18498 طباعة المقال أرسل لصديق

القسم الثالث من أقسام مؤمني زمان الرسول عليه السلام وهم المؤمنون الذين ما وافقوا الرسول في الهجرة وبقوا في مكة وهم المعنيون بقوله :( والذين آمنوا ولم يهاجروا ) فبين تعالى حكمهم من وجهين : الأول : قوله :( ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) وفيه مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن الولاية المنفية في هذه الصورة ، هي الولاية المثبتة في القسم الذي تقدم ، فمن حمل تلك الولاية على الإرث ، زعم أن الولاية المنفية ههنا هي الإرث ، ومن حمل تلك الولاية على سائر الاعتبارات المذكورة ، فكذا ههنا ، واحتج الذاهبون إلى أن المراد من هذه الولاية الإرث ، بأن قالوا : لا يجوز أن يكون المراد منها الولاية بمعنى النصرة ، والدليل عليه أنه تعالى عطف عليه قوله :( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) ولا شك أن ذلك عبارة عن الموالاة في الدين والمعطوف مغاير للمعطوف عليه ، فوجب أن يكون المراد بالولاية المذكورة أمرا مغايرا لمعنى النصرة وهذا الاستدلال ضعيف ؛ لأنا حملنا تلك الولاية على التعظيم والإكرام وهو أمر مغاير للنصرة ، ألا ترى أن الإنسان قد ينصر بعض أهل الذمة في بعض المهمات وقد ينصر عبده وأمته بمعنى الإعانة مع أنه لا يواليه بمعنى التعظيم والإجلال فسقط هذا الدليل .
المسألة الثانية : قوله تعالى :( حتى يهاجروا ) .
واعلم أن قوله تعالى :( ما لكم من ولايتهم من شيء ) يوهم أنهم لما لم يهاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سقطت ولايتهم مطلقا ، فأزال الله تعالى هذا الوهم بقوله :( ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) يعني أنهم لو هاجروا لعادت تلك الولاية وحصلت ، والمقصود منه الحمل على المهاجرة والترغيب فيها ؛ لأن المسلم متى سمع أن الله تعالى يقول : إن قطع المهاجرة انقطعت الولاية بينه وبين المسلمين ولو هاجر حصلت تلك الولاية وعادت على أكمل الوجوه ، فلا شك أن هذا يصير مرغبا له في الهجرة ، والمقصود من المهاجرة كثرة المسلمين واجتماعهم وإعانة بعضهم لبعض ، وحصول الألفة والشوكة وعدم التفرقة .
المسألة الثالثة : قرأ حمزة " من ولايتهم " بكسر الواو ، والباقون بالفتح ، قال الزجاج : من فتح جعلها من النصرة والنسب ، وقال : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة للفصل بين المعنيين وقد يجوز كسر الولاية ؛ لأن في تولي بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة كالقصارة والخياطة فهي مكسورة ، وقال أبو علي الفارسي : الفتح أجود ؛ لأن الولاية ههنا من الدين والكسر في السلطان .
والحكم الثاني : من أحكام هذا القسم الثالث قوله تعالى :( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) .
واعلم أنه تعالى لما بين الحكم في قطع الولاية بين تلك الطائفة من المؤمنين بين أنه ليس المراد منه المقاطعة التامة كما في حق الكفار بل هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا لو استنصروكم فانصروهم ولا تخذلوهم ، روي أنه لما نزل قوله تعالى :( ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) قام الزبير وقال : فهل نعينهم على أمر إن استعانوا بنا ؟ فنزل( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) ثم قال تعالى :( إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) والمعنى أنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم إذ الميثاق مانع من ذلك .